المتابعون

ما بين التأميم والتشويل مقالة لـ صادق أسود

sadek aswad

الكاتب والمخرج المسرحي صادق أسود




ما بين التأميم والتشويل

القطاع الصناعي في سوريا يُدمر مرتين خلال خمسون عاما

 






في منتصف القرن الفائت كانت القومية العربية شعارا لا يمكن لأي شعار على الأرض العربية أن ينازعه في التصدر
وكانت سوريا آنذاك دولة قوية بإرادة شعبها على إيجاد كل سبل العيش الاقتصادي وكانت سباقة في قوتها الاقتصادية عن سواها لأن ثمار النفط ما كانت قد أثمرت في دول الخليج بالشكل الذي هي عليه الآن
وفوق هذا وذاك فقد تمتعت سوريا بالوعي السياسي والتعدد الحزبي الذي انخرطت فيه حتى النساء وبشكل لافت للانتباه وكان ذلك أيضا سبقا على كل دول المنطقة
وبسبب هذه التعددية الحزبية والسياسية من جهة وبسبب تكتل ضباط الجيش في تلك الحقبة في كتل دمشقية وحموية فقد اصطدمت البلاد بمطبات الانقلابات المتوالية للضباط استئثارا بالحكم إلا أن بزغ نجم جمال عبد الناصر في مصر وذاع سيطه في الوطن العربي كقائد قومي فقررت الساسة في سوريا الذهاب إلى القاهرة وطلب الوحدة من جمال عبد الناصر كرغبة وخيار لدى الشعب السوري وساسته
وأنا لست هنا بصدد مناقشة سياسات الراحل جمال عبد الناصر بل متابعة أحداث ونتائج قطاع الصناعة لسورية ولعل اندفاع الساسة في سوريا للتوحد مع مصر جعل من عبد الناصر مشترطا لهذه الوحدة شروطا لم تعي السوريين خطورتها إلا بعد فوات الأوان ومنها حل جميع الأحزاب في سوريا والاكتفاء بالحزب الناصري
وفي ظل الوحدة وظل الحزب الأوحد قام جمال عبد الناصر بتفكيك تكتل الضباط الدمشقيين والحمويين عسكريا ثم عمد إلى تأميم المعامل في سوريا أسوة بما قام به في مصر دون النظر إلى الاختلاف في طبيعة البلدين ودون أن يجد من يعارضه في غياب الأحزاب الأخرى
ومن خلال هذا النهج الاشتراكي دُمر القطاع الصناعي في سوريا لأن العديد من تلك المعامل أُممت لصالح الدولة لكنها لم تُقلع ولم تدور محركاتها وعجلات إنتاجها مطلقا وهناك العديد من المعامل في حلب وسواها خير شاهد على هذه الأطلال
وأُخرجت هذه المعامل عن دائرة الاقتصاد لعدم وجود كفاءات لتشغيلها من جهة ولابتعاد أصحاب تلك المعامل عن الإدارة مما نجم عن صعوبة تأمين المواد الأولية وتصريف المنتج وسواه من جهة أخرى فالفرق شاسع ما بين رب عمل بنا معملا وفق نظم مدروسة يستثمر  بالشكل الأمثل وبين مندوب من الحكومة يترأس المعمل من خلال مكتب ثوري يجهل الإدارة والإنتاج معا
وفي عام 1961 كان الانفصال الذي لم يكن محببا للشعبين من خلال النظرة القومية والتطلعات الوحدوية لكنه تم
وبعد خمسون عاما وفي عام 2011 لم يتبقى للضباط الدمشقيين والحمويين أثرا في تكتل الجيش السوري لكن نظام الحزب الأوحد ظل ركيزة من استأثر بالحكم في سوريا وإن كان من خلال واجهة صورية للجبهة الوطنية التقدمية مستفيدين من تجربة عبد الناصر وسعاة لتكتل طائفتهم في الحكم مستفيدين من مخاوفه أيضا
وخلال هذه الأعوام الخمسون التي انقضت استعاد الشعب السوري هيكلة صناعاته وتوسع بها إلى أن كانت ثورة الكرامة فكانت المعامل والقطاع الصناعي الهدف الأول للأزمة حين فرض النظام على بعض المعامل تكفل تمويل عددا من الشبيحة لمساندته وهرولة بعض المعامل الأخرى لذات الهدف درءا عن أنفسهم خطر الإقصاء وعرقلة معاملات المعمل في الدوائر الحكومية وانجرار بعض من هذه المعامل خلف تلك الظاهرة حبا بالنظام لأنه يخدم مصالحها أو لأن أفراد النظام شركاء خفيين في تلك المعامل
وحين بسط الجيش الحر يده على المناطق التي كان فيها بعض هذه المعامل أخضع أصحاب بعض هذه المعامل بالقوة لتمويل الثورة كما كانوا يمولون النظام بينما انتهى مصير بعض المعامل للتشويل وهو مصطلح جديد تبنت بعض أفراد الثورة ترويجه حين سعت لتشويل المعامل وبيعها بقصد التذخير إن ما كان صاحب المعمل شبيحا أو ممولا لشبيحة النظام أو لأحد أفراد الأسرة المغتصبة للحكم في سوريا لتنهار هذه المعامل وليفقد عمالها أعمالهم المستقبلية حين يكون لنا تحرير الأرض بالكامل
ولكن .....
لا معامل
لا عمال
لا أسر تقتات
ولا صناعات
ولا تمييز بين معامل الدولة التي هي ملك الشعب السوري ومعامل الشبيحة أو سواهم والتي تكفل أسر عديدة
وبالمحصلة
القطاع الصناعي الذي تعتبره كل دول العالم أهم قطاعات الدولة كان بالماضي وأصبح في الحاضر أول ما يُقدم على طبق من ذهب افتداء لمناهج الثورة فكم نحتاج لبناء هذه القاعدة الصناعية مرة أخرى ؟

صادق أسود



صفحة الكاتب صادق أسود على الفيس sadek aswad
صفحة الكاتب 1968_sadek  صادق أسود على تويتر
للعودة إلى الصفحة الرئيسية اضغط هنا
للعودة إلى صفحة الرواية اضغط هنا
للعودة إلى صفحة كلمات أغاني اضغط هنا
للعودة إلى صفحة همسات معبرة اضغط هنا
للعودة إلى صفحة الشعر اضغط هنا 
للعودة إلى صفحة القصة اضغط هنا
للعودة إلى صفحة نصوص مسرحية اضغط هنا
للعودة إلى صفحة السيناريو "أفلام ، مسلسلات اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق